الرجل الذي لم يتكلم كثيرًا… لكنه فاز بكل شيء: قصة رافاييل فاران مع ريال مدريد
في كرة القدم، هناك لاعبون تُصنع حولهم الهالة الإعلامية، وتحيطهم الأضواء منذ الدقيقة الأولى، وهناك لاعبون يأتون في هدوء، ويكتبون أعظم الإنجازات بصمت.
رافاييل فاران كان من النوع الثاني. لم يحتج إلى الصراخ أو التصريحات النارية، لم يسعَ لأن يكون النجم الأول… لكنه خرج من مدريد بأسطورته الخاصة، محاطًا بهالة من الاحترام والذهب.
الفصل الأول: طفل فرنسا الذي اختار الطريق الأصعب
في صيف 2011، حين كان عمره 18 عامًا فقط، تلقى فاران عرضًا من ريال مدريد.
وقتها، كان يلعب في نادي لانس الفرنسي، ولم يكن معروفًا خارج بلاده. لكن زين الدين زيدان، مستشار رئيس النادي فلورنتينو بيريز، رأى فيه شيئًا خاصًا.
لم يكن الطريق سهلاً. الانتقال إلى نادٍ مثل ريال مدريد وأنت في عمر المراهقة، وفي مركز دفاع يعج بالنجوم، كان تحديًا هائلًا.
لكن فاران، بطبعه الهادئ ونضجه المبكر، قبل التحدي.
كان يعلم أن عليه أن ينتظر فرصته… وقد فعل.
الفصل الثاني: حين كسر الظل وأصبح السند
في البداية، كان مجرد خيار ثالث خلف بيبي وسيرخيو راموس.
لكنه سرعان ما بدأ يفرض نفسه. أول اختبار حقيقي جاء في كلاسيكو كأس الملك 2013، حين أبدع في مراقبة ميسي وسجّل هدفًا رائعًا بالرأس.
منذ تلك الليلة، تغيّر كل شيء.
أصبح فاران المدافع العصري المثالي:
- سريع جدًا
- ذكي في التمركز
- هادئ تحت الضغط
- لا يرتكب الأخطاء القاتلة
- وأهم من كل ذلك: لا يُظهر أي غرور
لم يكن مثل راموس – المندفع والعاطفي – بل كان النقيض تمامًا: برود قاتل واتزان يُحسد عليه.
الفصل الثالث: قلب الدفاع في أعظم مرحلة ملكية
بين 2014 و2018، دخل ريال مدريد حقبة ذهبية جديدة، وفاز خلالها بـ4 ألقاب دوري أبطال أوروبا، منها ثلاثية تاريخية متتالية تحت قيادة زيدان.
وفي كل هذا المجد، كان اسم فاران حاضرًا.
في دفاع الفريق، شكّل ثنائية مثالية مع سيرخيو راموس: أحدهما الصخر الصلب، والآخر السيف الحاد.
راموس يقاتل ويصرخ، وفاران يقرأ اللعبة ويغلق المساحات.
في نهائي كييف 2018، كان فاران في قمة مستواه. أغلق على مهاجمي ليفربول تمامًا، ورفع الكأس الرابعة له في البطولة الأغلى… وهو لا يزال في الرابعة والعشرين فقط!
الفصل الرابع: بطل العالم أيضًا
كما لو أن مجده مع ريال مدريد لم يكن كافيًا، واصل فاران كتابة التاريخ في صيف 2018.
قاد خط الدفاع الفرنسي في كأس العالم روسيا، وساهم بقوة في فوز “الديوك” باللقب العالمي، بأداء مبهر في كل مباراة، خصوصًا ضد بلجيكا والأوروغواي.
وبات بذلك أحد القلائل الذين فازوا بـ:
- دوري أبطال أوروبا (4 مرات)
- كأس العالم
- دوري إسباني
- كأس العالم للأندية
وكل ذلك قبل بلوغ عامه الـ27!
الفصل الخامس: النهاية الهادئة لفارس هادئ
في صيف 2021، وبعد 10 سنوات من العطاء، قرر فاران أن يرحل.
كان ذلك بعد موسم صعب شهد رحيل زيدان، وإصابات متكررة، وتراجع نسبي في الأداء الجماعي للفريق.
وبينما كان الجميع منشغلاً بمصير راموس، غادر فاران في هدوء تام إلى مانشستر يونايتد، كما جاء أول مرة، koora live.
لكنه غادر بعد أن ترك بصمة هائلة:
- 360 مباراة بقميص ريال مدريد
- 18 لقبًا
- سنوات من الثبات، والتضحيات، والمجد الصامت
الخاتمة: حين لا تحتاج أن تصرخ لتصبح أسطورة
رافاييل فاران لم يكن النجم الذي تتصدر صورته الصحف كل صباح.
لم يكن الهداف، ولا القائد، ولا صانع الألعاب.
لكنه كان أحد أعمدة الحقبة الذهبية، أحد أكثر اللاعبين الذين يمكن الوثوق بهم في الليالي الكبيرة.
جماهير مدريد ستتذكره دومًا كما هو:
المدافع الذي لا يخطئ، الذي لا يتكلم كثيرًا، لكنه حين يقف في الخلف… تعرف أن الفريق في أمان.
وفي نادٍ لا يرحم كبرياؤه أحدًا، استطاع فاران أن يصمد عشر سنوات، ويخرج منه مرفوع الرأس… وهذا إنجاز لا يُضاهى.