دي ماريا وريال مدريد: الجناح الذي صنع المجد ثم مشى وحيدًا
في عالم كرة القدم، هناك نجوم تُسلّط عليهم الأضواء أينما حلّوا… وهناك نجوم ينسجون الأسطورة في الظل، لا يتحدثون كثيرًا، لكن أفعالهم تتحدث بصوت مدوٍّ.
أنخيل دي ماريا هو المثال الأوضح على هؤلاء… كان أحد أهم مفاتيح ريال مدريد في لحظاته الذهبية، ورغم ذلك، لم يُمنح حقّه الكامل.
من روزاريو إلى مدريد: الطريق لم يكن مفروشًا بالورود
بدأ دي ماريا مسيرته في الأرجنتين مع روزاريو سنترال، ثم لمع في بنفيكا البرتغالي، حيث جذب أنظار كبار أوروبا بمهاراته وسرعته وقدرته المدهشة على إرسال التمريرات الحاسمة.
وفي صيف 2010، وبعد تألقه في كأس العالم مع منتخب التانغو، أعلن ريال مدريد التعاقد معه مقابل حوالي 25 مليون يورو… صفقة لم تُصنّف حينها “من العيار الثقيل”، لكنها كانت استراتيجية.
جاء دي ماريا في فترة إعادة بناء، ضمن مشروع جوزيه مورينيو، جنبًا إلى جنب مع أوزيل وخضيرة وكارفاليو… مشروع هدفه كسر هيمنة برشلونة بيب غوارديولا.
الجناح الذي لا يتعب: قلب في الملعب لا يتوقف عن النبض
منذ يومه الأول، قدم دي ماريا نفسه كجناح غير تقليدي.
- لا يراوغ فقط بل يضغط بقوة
- لا يراهن على العرضيات بل يُفكّر
- لا يبحث عن الأهداف بل عن الخدمة الصامتة
كان لاعبًا تكتيكيًا بامتياز، يركض 90 دقيقة بلا كلل، يساند الظهير، يصنع الفارق في الهجمات المرتدة، ويُعتبر سلاحًا فتاكًا في الكرات الثابتة والتمريرات العمودية.
ولأنه لم يكن نجم الشباك الأول، غالبًا ما مرّت مساهماته دون ضجيج… لكنه كان دائمًا حاسمًا وقت الحاجة.
الكلاسيكو وموقعة كسر الهيمنة
في أبريل 2011، سجل دي ماريا حضورًا قويًا في نهائي كأس الملك ضد برشلونة، حين صنع الهدف الوحيد لكريستيانو رونالدو في الوقت الإضافي، ليتوّج الريال بأول لقب له في الحقبة الجديدة.
كانت تلك المباراة لحظة فاصلة في صراع قطبي الكرة الإسبانية، ودي ماريا كان المفاجأة السارة في تشكيل مورينيو… الجناح الذي لا يتعب، والذي لعب دورًا مزدوجًا دفاعًا وهجومًا.
التطور تحت أنشيلوتي: من جناح إلى “محرك وسط”
مع وصول كارلو أنشيلوتي في 2013، حدث التحول الأبرز في مسيرة دي ماريا مع الريال.
فبدلًا من استخدامه كجناح صريح، قرر المدرب الإيطالي إشراكه في وسط الميدان ضمن ثلاثي مكوّن من:
- تشابي ألونسو كمنظّم
- مودريتش كموزّع
- ودي ماريا كمحرك ديناميكي
كانت مخاطرة، لكنها نجحت نجاحًا باهرًا. دي ماريا أصبح قلب الوسط النابض، يمزج بين الجهد والمهارة والسرعة… وأثبت أن ذكاءه التكتيكي يُعادل موهبته الفنية.
ليلة لشبونة: المجد الأوروبي… والبطل المنسي
في 24 مايو 2014، لعب ريال مدريد نهائي دوري أبطال أوروبا أمام أتلتيكو مدريد في نهائي العاشرة.
وعلى الرغم من تسجيل راموس هدف التعادل التاريخي في الدقيقة 93، إلا أن من حسم المباراة فعليًا كان دي ماريا.
في الدقيقة 110، انطلق من منتصف الملعب متجاوزًا ثلاثة لاعبين، ثم سدد كرة تصدى لها كورتوا لتعود إلى بيل، الذي سجل هدف التقدم.
لم يكن الهدف باسمه، لكن اللقطة باسمه… وكان دي ماريا رجل المباراة دون نقاش.
تُوّج الريال باللقب العاشر، وخرج دي ماريا أخيرًا من الظل، لكن ليس لوقت طويل.
الرحيل الغريب… نهاية لا تليق ببطل
بعد أقل من ثلاثة أشهر من تتويجه بلقب دوري الأبطال، فاجأ ريال مدريد الجميع ببيع دي ماريا إلى مانشستر يونايتد مقابل 75 مليون يورو، kooralive.
السبب؟ رفضه تخفيض راتبه بعد قدوم خاميس رودريغيز.
الواقع؟ الريال فضّل النجم الجماهيري على الجندي المجهول.
رحل دي ماريا حزينًا، وكتب لاحقًا في رسالة مفتوحة:
“كنت أظن أنني سأبقى طويلًا، لكني فهمت أن الولاء في كرة القدم ليس دائمًا متبادلًا.”
إنجازاته مع ريال مدريد
رغم أنه لم يحظَ بنفس شهرة زملائه، فإن سجله مع النادي مذهل:
- 🏆 دوري أبطال أوروبا: 2013–14
- 🏆 الدوري الإسباني: 2011–12
- 🏆 كأس ملك إسبانيا: 2011، 2014
- 🏆 كأس السوبر الإسباني: 2012
- 🏆 كأس السوبر الأوروبي: 2014 (قبل انتقاله)
ماذا قالوا عنه؟
- كريستيانو رونالدو: “دي ماريا كان أحد أفضل من لعبت معهم… سريع، ذكي، يُقاتل لأجل الفريق.”
- كارلو أنشيلوتي: “لم نكن لنفوز بالعاشرة لولا دي ماريا.”
- تشافي ألونسو: “هو المزيج المثالي بين الموهبة والعمل الجاد.”
أرقام مميزة
- لعب 190 مباراة مع ريال مدريد
- سجل 36 هدفًا
- صنع أكثر من 80 هدفًا
- أكثر من 20 تمريرة حاسمة في موسم 2013–2014 وحده
الخاتمة: دي ماريا… الأسطورة التي مرت من هنا
أنخيل دي ماريا لم يكن مجرد جناح يُراوغ… كان روحًا تُقاتل، لاعبًا يعطي كل ما لديه ولا يطلب شيئًا في المقابل.
قد لا يُذكر اسمه أولًا حين تُذكر أساطير ريال مدريد… لكنه كان من صانعي أهم لحظة في تاريخ النادي الحديث: العاشرة.
وربما لا يُخلّد في التماثيل…
لكن اسمه محفور في قلوب من يُدركون أن المجد لا يُصنع فقط بالأهداف، بل بالركض الذي لا ينتهي، بالتمريرات التي لا تُنسى، وبالوفاء حتى لو لم يُردّ لك.
دي ماريا… الجناح الذي صنع العاشرة، ثم اختفى.