كرواتيا وكأس العالم: الحكاية التي بدأت من الصفر ووصلت إلى القمة
حين انفصلت كرواتيا عن يوغوسلافيا في بداية التسعينات، لم يكن أكثر المتفائلين يتوقع أن يصبح هذا البلد الصغير (من حيث عدد السكان والموارد) من كبار منتخبات كأس العالم.
لكن كرة القدم، كعادتها، لا تعترف بالمنطق الجامد، بل تفتح الباب أمام من يملك الموهبة، والعزيمة، وربما “القليل من الجنون”.
من أول مشاركة في 1998، إلى الإنجاز التاريخي في 2018، ثم التأكيد على العراقة في 2022… هذه قصة منتخب كرواتيا في كأس العالم: قصة الطموح، والمفاجآت، والبكاء فخرًا لا حزنًا.
البداية الأسطورية – فرنسا 1998
كانت فرنسا 1998 أول مشاركة رسمية لمنتخب كرواتيا في كأس العالم، بعد أن نالت استقلالها عن يوغوسلافيا.
لكن بدلًا من الاكتفاء بالمشاركة، فاجأ هذا المنتخب العالم وحقق إنجازًا غير مسبوق، ببلوغه نصف النهائي، ثم احتلاله المركز الثالث.
تألق النجم دافور سوكر، الذي توّج هدافًا للبطولة برصيد 6 أهداف، برفقة لاعبين مثل بروزينيكي، بوبان، أسانوفيتش.
هزموا ألمانيا في ربع النهائي بثلاثية نظيفة، وخسروا أمام فرنسا بصعوبة في نصف النهائي، لكنهم فازوا على هولندا في مباراة تحديد المركز الثالث، ليبدأ العالم في الحديث عن “كرواتيا الجديدة”.
سنوات التيه – 2002 إلى 2014
رغم البداية المبشرة، عجزت كرواتيا عن تكرار إنجاز 1998 في النسخ التالية.
- 2002 (كوريا واليابان): خرجت من الدور الأول رغم فوزها على إيطاليا.
- 2006 (ألمانيا): لم تفز بأي مباراة، واكتفت بتعادلين وهزيمة.
- 2010 (جنوب أفريقيا): لم تتأهل أصلًا.
- 2014 (البرازيل): خرجت من الدور الأول بعد خسارتين أمام البرازيل والمكسيك، وفوز وحيد على الكاميرون.
كانت كرواتيا تملك أسماء كبيرة مثل مودريتش، راكيتيتش، مانزوكيتش، لكن شيئًا ما كان ينقص هذا الجيل ليحقق النجاح العالمي.
روسيا 2018: الحلم يصبح حقيقة
دخلت كرواتيا مونديال روسيا 2018 دون أن تُصنّف ضمن المرشحين، لكنها سرعان ما فرضت نفسها كأكثر المنتخبات تنظيمًا وانضباطًا.
في دور المجموعات، اكتسحت الأرجنتين بثلاثية، وتأهلت بالعلامة الكاملة. ثم بدأت مرحلة الانتصارات المعجزة:
- فوز على الدنمارك بركلات الترجيح.
- فوز على روسيا (المستضيفة) بركلات الترجيح.
- فوز درامي على إنجلترا في نصف النهائي بهدف مانزوكيتش في الشوط الإضافي الثاني.
وفي النهائي، واجهت فرنسا، وخسرت 4-2، لكن أداءها لم يكن أقل شأنًا من البطل.
لوكا مودريتش نال جائزة أفضل لاعب في البطولة، وأصبح رمزًا عالميًا لتجسيد روح القتال والانضباط، koora live.
قطر 2022: كرواتيا تؤكد أنها ليست صدفة
كان البعض يعتقد أن إنجاز 2018 مجرد لحظة استثنائية. لكن كرواتيا في قطر 2022 أكدت أنها منتخب نخبوي، وليس “حصانًا أسودًا” فقط.
رغم كبر سن بعض اللاعبين، استطاعت كرواتيا الوصول إلى نصف النهائي مجددًا:
- تخطت اليابان بركلات الترجيح.
- أخرجت البرازيل بطريقة درامية بركلات الترجيح بعد تعادل في اللحظات الأخيرة.
- خسرت من الأرجنتين 3-0، ثم فازت على المغرب لتحقق المركز الثالث.
مرة أخرى، كان لوكا مودريتش هو القائد الملهم، وسط جيل جديد برز فيه الحارس ليفكوفيتش والنجم غفارديول.
لماذا تُحب كرواتيا المونديال؟
- تمتلك عقلية تنافسية حديدية، ونجحت في التعامل مع ضغط المباريات الإقصائية.
- تألقت في ركلات الترجيح (فازت بها 4 مرات في آخر نسختين).
- لعبت في آخر 3 نسخ شاركت فيها مباراتين نهائيتين ومباراة تحديد المركز الثالث.
- رغم قلة عدد السكان (أقل من 4 ملايين)، تفوقت على دول عظمى كرويًا.
خاتمة: حين تتحول الأحلام إلى واقع
منتخب كرواتيا لم يكن يملك تاريخًا طويلًا في كأس العالم، لكنه صنع مجده بعرق لاعبيه، وبرؤية قادته، وبإصرار شعبه.
من 1998 إلى 2018 و2022، ترك الكروات بصمتهم، وأثبتوا أن الاسم لا يصنع المجد… بل المجد هو من يصنع الاسم.
قد لا يحمل المنتخب الكرواتي الكأس الذهبية بعد، لكن يكفي أنه حفر اسمه بين الكبار، وأجبر الجميع على احترامه.