مودريتش وريال مدريد: أمير الكروات الذي ملك مملكة الملوك
في صيف 2012، ضجّت الصحافة البريطانية بالسخرية:
“ريال مدريد يدفع 35 مليون يورو مقابل لاعب نحيف من توتنهام؟! صفقة فاشلة.”
وفي أول موسم له، تم اختياره “أسوأ توقيع في الليغا”.
لكن بعد 12 عامًا، أصبح لوكا مودريتش أحد أعظم من لمس الكرة بالقميص الأبيض.
ليس فقط بالأرقام، بل بما هو أعمق… بالفن، بالقتال، بالعظمة الصامتة.
الفصل الأول: من زغرب إلى مدريد… طريق الحرب والصبر
ولد لوكا مودريتش في 1985، في زادر – كرواتيا، خلال حرب البلقان.
قضى طفولته في ملاجئ القنابل، وسط أصوات الرصاص، وفقدان الأحباب.
لكنه لم يفقد شيئًا أهم من كل ذلك: حلمه.
بدأ في دينامو زغرب، ثم انطلق إلى توتنهام، وهناك أثبت أنه موهبة فريدة.
لكن انتقاله إلى مدريد كان الخطوة الكبرى… والخطوة التي كادت تُدمّر كل شيء.
الفصل الثاني: موسم أول صعب… لكن العقل لا ينهزم
في 2012–2013، لم يجد مودريتش مكانًا أساسيًا.
مورينيو لم يمنحه الاستمرارية، وتعرض اللاعب لانتقادات شرسة.
لكن من يعرف مودريتش، يعرف أنه لا يستسلم.
بهدوء، وذكاء، وبتطوير مستمر، بدأ يُثبت نفسه.
ثم جاء أنشيلوتي… وهنا بدأ السحر.
الفصل الثالث: قلب ريال مدريد النابض… وصاحب تمريرة “العاشرة”
في موسم 2013–2014، انفجر مودريتش.
تلك الركنية التي لعبها في الدقيقة 93 ضد أتلتيكو مدريد في نهائي دوري الأبطال…
ركنية حملت كل ما في مدريد من إصرار، كل ما في لوكا من روح.
من رأس راموس، بدأت قصة “العاشرة”… ومن قدم مودريتش وُلد الحلم، koora live.
الفصل الرابع: ثلاثية الوسط الذهبية… سنوات السيطرة
مع انضمام كروس، ثم تثبيت كاسيميرو، وُلد الخط الثلاثي الأسطوري:
كاسيميرو – كروس – مودريتش
كان مودريتش هو اللاعب الذي يفكك الخصم:
- يتحرّك بلا توقف
- يُمرّر بذكاء
- يُغيّر الاتجاه
- يسدد
- ويضغط دفاعيًا بقوة بدنية لا تتناسب مع حجمه
من 2016 إلى 2018، فاز ريال مدريد بثلاث دوري أبطال متتالية، وكان لوكا فيها العقل والقلب والنبض.
الفصل الخامس: المجد الفردي… الكرة الذهبية المستحيلة
في 2018، قاد كرواتيا إلى نهائي كأس العالم، وحقق مع ريال مدريد دوري الأبطال الثالث على التوالي.
ثم جاءت المفاجأة:
لوكا مودريتش يفوز بالكرة الذهبية، متفوقًا على رونالدو وميسي.
أول لاعب يكسر هيمنة “الثنائي الأسطوري” منذ 2008.
وأثبت أن الذكاء والقيادة والشخصية قد تُكافأ حتى دون أهدافٍ كثيرة.
كان هذا التتويج تتويجًا لجيل كامل من اللاعبين “الذين لا يظهرون في الإعلانات، لكنهم يصنعون التاريخ”.
الفصل السادس: شيخٌ لا يشيخ… وفن لا يذبل
تجاوز مودريتش سن الـ35، ومع ذلك لا يزال أحد أعمدة الفريق.
تغير المدربون، وتغير اللاعبون، وبقي مودريتش:
- يُمرّر كما كان
- يُضغط كما كان
- يُقاتل كما كان
حتى في وجود جيل الوسط الجديد (تشواميني، بيلينغهام، كامافينغا، فالفيردي)، لا يزال مكانه محفوظًا.
ليس فقط في التشكيلة… بل في القلوب.
الفصل السابع: القائد الهادئ… ومرآة القيم المدريدية
مودريتش هو القائد المثالي:
- لا يتحدث كثيرًا
- لا يشتكي
- يُلهم الآخرين بمستواه
- يُقاتل حتى الثانية الأخيرة
حين فاز بدوري الأبطال الخامس، بكى بحرقة وكأنه لم يفز به من قبل.
وحين جلس احتياطيًا في بعض المباريات، لم يعترض… بل عاد أقوى في المباراة التالية.
هو ببساطة أيقونة الإخلاص، وصورة حقيقية لما يعنيه أن ترتدي قميص ريال مدريد.
الفصل الثامن: موسم الوداع؟… أم لحظة الخلود؟
في موسم 2024–2025، بدأ الحديث عن إمكانية اعتزال مودريتش أو خروجه من مدريد.
لكن الجماهير لا تريد أن تصدّق.
كيف يرحل من أصبح صوته هو صوت البرنابيو؟ من حوّل كل لمسة إلى لحن؟
ربما يرحل… لكن لحظة وداعه ستكون لحظة أسطورية.
لأنه لم يكن مجرد لاعب… كان ذاكرة، وروح، وقطعة من تاريخ لا يُكرّر.
الخاتمة: من السخرية إلى الخلود
لوكا مودريتش دخل مدريد كلاعب “لا أحد يراهن عليه”.
لكنه غادر – أو سيغادر – كأحد أعظم لاعبي خط الوسط في تاريخ كرة القدم.
ربما لم يكن أطول اللاعبين، ولا أقواهم، ولا أغناهم…
لكنه كان الأعظم بالفكر، والروح، والعطاء.
في يوم من الأيام، حين يُذكر المجد، سيُقال:
“كان هناك لاعب اسمه مودريتش… جعل كل شيء ممكنًا.”