إسبانيا وكأس العالم: من اللعنة الأبدية إلى التتويج الأبدي
عند الحديث عن كرة القدم الإسبانية، يخطر في البال فورًا مزيج من الفن، والمهارة، والتيكي تاكا.
لكن الغريب أن منتخب إسبانيا، الذي قدّم أعظم أندية العالم، عانى لسنوات طويلة من “عُقدة كأس العالم”، قبل أن ينفجر مجده فجأة في لحظة واحدة عام 2010، وكأنه قرر أخيرًا أن يلحق بتاريخه الكروي، ويترك وراءه قرنًا من الانتظار.
هذا المقال هو سردٌ لقصة طويلة من الإحباطات، والتجارب الفاشلة، وحتى النشوة التي أخرجت إسبانيا من الظل إلى الضوء.
البدايات: حضور دون أثر (1934–1978)
شاركت إسبانيا لأول مرة في كأس العالم عام 1934 في إيطاليا، ووصلت إلى ربع النهائي، لكنها انسحبت من مباراة الإعادة أمام أصحاب الأرض بعد مباراة عنيفة ومثيرة للجدل.
ثم غابت عن البطولة في 1938 و1950 لأسباب سياسية، وعادت في النسخ التالية بأداء باهت لم يترك أي بصمة حقيقية.
في مونديال 1950 بالبرازيل، حققت المركز الرابع، في أفضل نتيجة لها حتى ذلك الوقت، لكنها بقيت محطة معزولة.
ما بين 1954 و1978، ظلت إسبانيا تظهر ثم تختفي، بلا هوية حقيقية، بلا نتائج تليق بمكانتها كبلد كروي عريق، koora live.
الثمانينات والتسعينات: جيل موهوب… دون حصاد
في مونديال 1982، استضافت إسبانيا البطولة للمرة الأولى في تاريخها، وعلّقت عليها الجماهير آمالًا كبيرة، لكنها خرجت من الدور الثاني بطريقة مخيبة أمام ألمانيا الغربية.
في 1986، وصلت إلى ربع النهائي، وخسرت أمام بلجيكا بركلات الترجيح بعد أداء هجومي مبهر، خصوصًا من إيميليو بوتراغينيو، لكنها لم تعرف كيف تحسم.
أما في 1994، فكانت مواجهة إيطاليا في ربع النهائي نقطة تحول درامي، حين أقصى باجيو الإسبان بهدف قاتل، بعد مباراة سيطر عليها الإسبان، ليبدأ بعدها تداول مصطلح “المنتخب المنحوس”.
الجيل الذهبي… المخيب (1998–2006)
دخلت إسبانيا هذه الحقبة بتوقعات عالية، وأسماء لامعة: راؤول، مورينتيس، هييرو، كاسياس، تشافي الشاب.
لكن النتائج كانت دائمًا أقل من الطموحات:
- 1998: خرجت من دور المجموعات رغم الفوز 6-1 على بلغاريا.
- 2002: أُقصيت بطريقة مثيرة للجدل أمام كوريا الجنوبية في ربع النهائي، في مباراة احتوت على قرارات تحكيمية ظالمة.
- 2006: خرجت من دور الـ16 أمام فرنسا بعد بداية قوية في دور المجموعات.
كان الجميع يتساءل: “لماذا يفشل الإسبان دائمًا حين يصبحون مرشحين؟”
2010: حين تنفّس التاريخ
دخلت إسبانيا مونديال جنوب أفريقيا 2010 بطلة لأوروبا (يورو 2008)، بقيادة المدرب فيسنتي ديل بوسكي، ومع جيل غير مسبوق من المواهب:
تشافي، إنييستا، كاسياس، راموس، بيكيه، بوسكيتس، فيا…
الغريب أن أول مباراة كانت خسارة مفاجئة أمام سويسرا، لكن الفريق تماسك وفاز في جميع مبارياته التالية بنتيجة 1-0 حتى النهائي.
في النهائي أمام هولندا، سيطر الإسبان على المباراة، وصمدوا أمام خشونة الخصم، إلى أن جاء الهدف التاريخي:
أندريس إنييستا في الدقيقة 116، يسجل واحدًا من أغلى الأهداف في تاريخ كرة القدم، ويمنح إسبانيا لقبها العالمي الأول.
لم يكن الفوز مجرد تتويج، بل كان تحررًا من التاريخ، وانتصارًا لأسلوب كرة القدم الجميل.
2014–2018: من القمة إلى القاع
دخلت إسبانيا مونديال 2014 حاملة اللقب، لكن البداية كانت كارثية: هزيمة 5-1 أمام هولندا، ثم خسارة أمام تشيلي، وخروج مبكر من الدور الأول، في صدمة لم يكن أحد يتوقعها.
وفي 2018، بدا أن إسبانيا استعادت جزءًا من توازنها، لكن قبل انطلاق البطولة بساعات، تم إقالة المدرب لوبتيغي فجأة بعد توقيعه لريال مدريد، ليتولى فرناندو هييرو المهمة في ظروف عشوائية.
خرجت إسبانيا من الدور الثاني أمام روسيا بركلات الترجيح، بعدما قدّمت أداءً سيطر فيه على الكرة بلا فعالية.
بصيص أمل جديد في 2022
في مونديال قطر 2022، دخلت إسبانيا تحت قيادة الشاب لويس إنريكي بفريق يعتمد على المواهب الجديدة مثل بيدري، غافي، وداني أولمو.
اكتسحوا كوستاريكا 7-0 في الافتتاح، وتعادلوا مع ألمانيا، لكنهم خسروا أمام اليابان، وتأهلوا ثانيًا، ليواجهوا المغرب ويخرجوا مرة أخرى بركلات الترجيح.
مرة أخرى، أثبتت إسبانيا أنها لم تتعافَ تمامًا من صدمة ما بعد 2010، وأنها بحاجة إلى إعادة تعريف لهويتها الهجومية، وليس فقط التيكي تاكا.
ما الذي يميّز إسبانيا في كأس العالم؟
- من أكثر المنتخبات استحواذًا على الكرة عبر التاريخ.
- تعاني دائمًا أمام الفرق ذات الأسلوب البدني أو الدفاعي.
- لم تعرف النجاح إلا في فترة قصيرة رغم جودة اللاعبين لعقود.
- أول منتخب يفوز بكأس العالم بعد الخسارة في المباراة الأولى.
- فازت باللقب الوحيد دون تلقي سوى هدفين فقط في البطولة كلها.