إنجلترا وكأس العالم: بين المجد الضائع وظل اللقب الوحيد
منتخب إنجلترا، مهد كرة القدم، لم يكن يومًا مجرد منتخب عادي في كأس العالم. هو حامل راية اللعبة التي وُلدت في حاراته، وتحوّلت إلى دين جماهيري.
ومع ذلك، فإن رحلته في البطولة التي يراها كثيرون “من اختراعه” لم تكن زاخرة بالذهب، بل مشوبة بالكثير من الآمال المهدورة، والحظ العاثر، والخيبات المتكررة… وكل ذلك تحت ظل لقب يتيم تحقق قبل عقود طويلة.
في هذا المقال، نستعرض قصة منتخب إنجلترا في كأس العالم، بين 1966 المجيد، وعقود من الانتظار، وصراع دائم مع التاريخ.
البداية المتأخرة: أين كنتم قبل 1950؟
رغم كون إنجلترا مهد كرة القدم، فإنها رفضت المشاركة في أول ثلاث نسخ من كأس العالم (1930 – 1938)، احتجاجًا على عدم اعتراف الفيفا بالاتحاد الإنجليزي في البداية، ثم بسبب خلافات داخلية عن قيمة البطولة مقارنة بـ”البطولات البريطانية المحلية”.
لكن بعد الحرب العالمية الثانية، قررت أخيرًا الانخراط في الحدث العالمي، وشاركت لأول مرة في مونديال 1950 في البرازيل، وهناك كانت صدمتها الأولى: خسارة أمام الولايات المتحدة 0-1 في واحدة من أعظم المفاجآت في تاريخ البطولة، kora live.
كانت تلك الخسارة صدمة نفسية وإنذارا مبكرًا بأن العالم لم يعد يتعامل مع الكرة بوصفها إنجليزية المنشأ فقط.
إخفاقات متكررة وسعي وراء الاعتراف (1954 – 1962)
لم تستطع إنجلترا تجاوز دور المجموعات في 1954 و1958، وتعرضت لإقصاء قاسٍ في 1962 أمام البرازيل في ربع النهائي.
كانت المشكلة الأساسية آنذاك تكمن في عدم التطور التكتيكي مقارنة بمدارس مثل البرازيل وهنغاريا وألمانيا.
ظلّت إنجلترا تلعب بطابعها “الصلب”، دون مرونة تكتيكية أو حلول هجومية مبتكرة، وكأنها لم تعترف بعد بتطور اللعبة خارج جزرها.
1966: المجد الوحيد… على أرضها
استضافت إنجلترا كأس العالم 1966، وكانت أمام فرصة تاريخية للظفر باللقب الذي طال انتظاره.
قاد المدرب ألف رامسي منتخب “الأسود الثلاثة” بنظام صارم، يعتمد على الانضباط والدفاع القوي، مع نجم مثل بوبي تشارلتون وهداف البطولة جيف هيرست.
بلغت إنجلترا النهائي بعد انتصار على البرتغال، وواجهت ألمانيا الغربية في ويمبلي، في مباراة شهيرة انتهت بفوز إنجلترا 4-2 بعد التمديد.
وسجل هيرست هاتريك تاريخي، منها هدف مثير للجدل عبر الكرة التي ارتطمت بالعارضة، ولا يزال حتى اليوم محل خلاف حول تجاوزها للخط.
فازت إنجلترا بكأس العالم، لكنها منذ ذلك اليوم لم تفز بأي لقب كبير آخر.
بعد 1966: خيبات متتالية تحت ظلال المجد
رغم الانتصار في 1966، لم تستطع إنجلترا الحفاظ على مستواها في مونديال 1970، وخرجت من ربع النهائي أمام ألمانيا بعد سيناريو درامي أضاعوا فيه تقدمًا بهدفين.
ثم فشلت في التأهل إلى بطولتي 1974 و1978، في فترة وصفتها الصحافة الإنجليزية بـ”عقد الصمت الكروي”.
وفي 1982 و1986 و1990، كان المنتخب يملك أسماء كبيرة مثل غاري لينيكر، بول جاسكوين، وبيتر شيلتون، لكنه خرج دائمًا بطريقة درامية، كان أبرزها الخسارة أمام الأرجنتين في 1986 بهدف مارادونا بيده، ثم الخروج بركلات الترجيح أمام ألمانيا في نصف نهائي 1990.
وباتت إنجلترا مرادفًا للفرق التي “تقترب ولا تلمس”، دائمًا في قلب المنافسة، لكن بلا نهاية سعيدة.
عقد التسعينيات والألفية: لعنة الترجيح، ونجوم دون بطولة
شهدت فترة التسعينيات بروز جيل ذهبي يضم بيكهام، سكولز، أوين، روني، لامبارد، وجيرارد.
وكان يُعتقد أن هذا الجيل سيعيد المجد، لكن الواقع كان محبطًا:
- مونديال 1998: طُرد بيكهام أمام الأرجنتين وخرجت إنجلترا بركلات الترجيح.
- 2002: خسارة أمام البرازيل في ربع النهائي بهدف رونالدينيو الشهير.
- 2006: إقصاء جديد أمام البرتغال بركلات الترجيح.
في كل مرة، كانت إنجلترا تملك الأسماء لكن تفتقد الشخصية، وكأنها محكومة بلعنة نفسية، أو ضعف في إدارة اللحظات الحاسمة.
2010 و2014: الانهيار
شهدت البطولتان التاليتان سقوطًا مدويًا:
- في 2010، سُحقت إنجلترا أمام ألمانيا 4-1، في مباراة شهدت هدفًا شرعيًا للامبارد لم يُحتسب.
- في 2014، خرجت من دور المجموعات بعد خسارتين أمام إيطاليا وأوروغواي، وتعادل يتيم مع كوستاريكا.
بدا واضحًا أن إنجلترا فقدت هويتها تمامًا، رغم الانتقال لجيل جديد.
2018: عودة الأمل بقيادة ساوثغيت
دخلت إنجلترا مونديال 2018 في روسيا دون ضغوط، بمدرب شاب هو غاريث ساوثغيت، وجيل جديد بقيادة هاري كين وستيرلينغ.
للمرة الأولى، تخطت إنجلترا لعنة ركلات الترجيح بفوزها على كولومبيا، ووصلت إلى نصف النهائي، لكنها خسرت أمام كرواتيا 2-1 بعد التمديد.
كانت تلك البطولة بداية لعودة إنجلترا إلى المنافسة، وجعلت الجماهير تستعيد الإيمان.
2022: أداء قوي وخروج مؤلم
في قطر 2022، قدمت إنجلترا نسخة ناضجة تكتيكيًا، وسحقت إيران، وتعادلت مع أمريكا، ثم تألقت أمام السنغال.
وفي ربع النهائي ضد فرنسا، لعبت مباراة متكافئة جدًا، لكن هاري كين أهدر ركلة جزاء حاسمة، لتخسر إنجلترا 2-1 وتغادر البطولة.
مرة أخرى، خرجت من الباب الصغير، رغم قربها من الباب الكبير.
ما الذي يميّز إنجلترا في كأس العالم؟
- قوة الدوري المحلي وضخامة المواهب.
- حضور بدني قوي وانضباط تكتيكي.
- غالبًا تعاني من ضغط إعلامي وجماهيري ثقيل.
- سجلها حافل بالخروج من ركلات الترجيح.
- تفتقر غالبًا إلى قائد ملهم في اللحظات الكبيرة.
خلاصة الحكاية
إنجلترا لم تكن أبدًا مجرد منتخب، بل مرآة لثقافة كرة قدم عريقة ومشحونة بالعاطفة.
لكنها أيضًا بلد لم يعرف كيف يحوّل تلك الثقافة إلى إنجازات متكررة. فازت بكأس العالم مرة واحدة، وتعثرت في بقيتها بين طموح مفرط، وعُقدة نفسية تاريخية، ومشاريع لم تكتمل.
ربما تكون إنجلترا أفضل منتخب لا يُتوّج. أو كما قال أحد الصحفيين الإنجليز يومًا:
“لدينا أعظم دوري… وأثقل ذاكرة كروية.”